حدائق العصـــــر الإسلامــــــي

تعتبر الحدائق الاسلامية احدى حدائق المنطقة العربية التي تمتاز بخصائص عامة مثل إحاطتها
بأسوار
(تحقيقا للخصوصية) ووجود الجداول المائية أو الشلالات فيها إلى جانب الأشجار والزهور
والإكثار من استخدام الوحدات الهندسية الزخرفية العربية المعروفة بالأرابيسك.
وقد خططت تلك الحدائق في شكل مستطيل حول محور طولي وهي تمتاز بالبساطة
والوضوح في رقة يندر وجودها في الحدائق المعاصرة لها.
لم تخل حاضرة من حواضر الإسلام في المشرق ولا المغرب من الحدائق الرائعة التي تميز بها الحس المعماري الإسلامي.
منها ما كان في الأندلس وتركيا والشام وفارس ومصر والمغرب وتونس واليمن وعُمان والهند وغيرها.
فالحدائق الاندلسية مثلا جمعت ما بين حضارة الحدائق الأوربية والحضارة الإسلامية (حدائق الوطن العربي).
أي أنها جمعت ما بين الطابع الغربي والطابع العربي، إلا أن الطابع العربي هو الأكثر سيطرة وبروزاً.
وكان للحدائق الاندلسية طابعاً مميزاً الذي يعكس فلسفة الفن العربي، وخير مثال على ذلك حدائق قصر الحمراء في غرناطة،
حيث صحب المسلمون معهم إلى أسبانيا حب الطبيعة التي تمثل حياة البادية
لديهم بما فيها حب المناظر الطبيعية والاستمتاع بالماء والهواء.
فعلى سبيل المثال لوحظ في الأندلس أن العمارة الإسلامية هناك كانت تدمج العناصر الطبيعية (من الماء والنبات) في كل مبانيها،
خاصة القصور، وتميزت الحديقة الأندلسية باستخدام النباتات دائمة الخضرة،
والنباتات والأشجار ذات الروائح الزكية وباستخدام الزهور الجميلة كالبنفسج والياسمين.
وتعتبر حدائق قصر الحمراء في غرناطة من أجمل الأمثلة التي يمكن الاستشهاد بها للدلالة على جمال الحدائق الإسلامية وتكاملها،
وانسجامها الطبيعي مع الأفنية الداخلية، وكانت هذه الحدائق متكررة بشكل متنوع في الأفنية المختلفة للقصر..
كما كانت مليئة بالنباتات ذات الروائح العطرة كالريحان.
فإذا اتجهنا شطر المشرق الإسلامي الأوسط؛ لنصل إلى تركيا، فسنجد أنه بمجرد دخول الإسلام إليها أخذت الحدائق التركية في الانتشار في ربوع البلاد بصورة ملحوظة، ولوحظ على الحدائق الأناضولية أنها لم تكن للترفيه والتجميل فقط، وإنما كانت للإقامة أيضًا!!
وقد تميزت الحديقة في تركيا بأنها كانت تُخطَّط أولاً ثم يُبنى عليها بعد ذلك؛ ولذلك فقد كانت قصور
اسطنبول تسمى بـ (الحدائق) على الرغم من وجود القصور داخلها!
وكانت هذه الحدائق تُستعمل للتسلية أو الحفلات الرسمية،
كما كانت تُطل غالبًا على ساحل البحر كما في إسطنبول.
وقد أُدخلت المسطحات الخضراء على التكوين المعماري للمساجد في العصر العثماني بهدف وقايتها من أخطار الحرائق
(مثل مسجد السليمانية بإسطنبول)؛ فقد جرى التعارف على أن النار تشتعل في المنازل التي كانت تُبنى بالخشب،
ثم تمتد منها إلى المساجد المجاورة، مما حدا بالمعماري (سنان) أن يحيط الجامع وملحقاته بسور خارجي،
بينه وبين التكوين الداخلي للمسجد، وله مساحات كبيرة خالية غرست بها أشجار باسقة،
وأنواع من زهور مختلفة تعزل المسجد عن المنازل المجاورة، وتُحقق في الوقت ذاته قيمة جمالية رائعة.
وقد كثر في العهد العثماني أن تُزرع الأشجار في صحن المساجد الكبرى،
ومن أمثلة تلك المساجد صحن المسجد النبوي الشريف ومسجد (با يزيد) بتركيا.
ويعتبر قصر (توب كابي) من أشهر القصور المعروفة بإسطنبول، وقد بدأ بناؤه في عهد السلطان (محمد الفاتح) ،
وكان مقرًا للسلاطين العثمانيين ما بين القرن العاشر والثالث عشر الهجريين (من السادس عشر إلى التاسع عشر ميلاديًّا)،
وكان القصر بحدائقه يغطي مساحة 69 ألف متر مربع بمحيط 5 كيلومترات، وقد خُطِّطت الحدائق فيه على شكل ممرات
مكشوفة تحيط بالقصر من الشمال والغرب والشرق، وكان فيها حدائق للفاكهة والخضروات، ومساحة واسعة تُركت للصيد.
وأخيرًا.. فلا تزيدنا تلك الرحلة الممتعة مع الحدائق في الحضارة الإسلامية إلا يقينًا بعظمة تلك الحضارة،
وعظمة ما تركته – إلى اليوم – من معالم للرقي الإنساني والبيئي، الأمر الذي يدل دلالة أكيدة على ذلك الانسجام الكامل
بين دين الإسلام وفطرة الإنسان التي تسكن بطبيعتها إلى اللون الأخضر وتناسق الأشجار والثمار.
م.ن